أحدث الأخبار مع #حقوق الإنسان


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- علوم
- الجزيرة
ملامح المعركة القادمة بين المثقف والذكاء الاصطناعي
ما تشهدُه الحركة العلميّة والمعرفية ببعدها التقني التكنولوجي من تحوّلات كبرى ومهولة في وسائل ووسائط التعليم والوظائف والأدوات، يجعل مسألة الحديث عن الثقافة والمثقف ببعده المعرفي، حديثًا ذا شجون ومثيرًا للنقاش وجالبًا للأسئلة، لما باتت تمثّله التقنية من تحدٍّ كبير للبعد المعرفي، في شخصية المثقف، باعتباره – أي المثقف- رجل المعرفة الأوحد هنا، وباعتبار العمليّة المعرفية عملية ثقافية أيضًا. ولكن قبل هذا مَن هو المثقّف أصلًا، وأين موقعه في زمن الذكاء الاصطناعي؟ صحيح أنَّ مثل هذا الطرح حول تعريف المثقف وأنماطه هو طرح جدلي دائم، لكني أزعم أنَّ ثمة تجاوزًا كبيرًا لهذه النقطة من الحديث بهذا الخصوص حول المثقف وتعريفاته المختلفة، وأن المقاربة الأهم اليوم لمفهوم المثقف لم تعد تلك المقاربة التقليدية للمثقف القارئ للكتب والحاوي لصنوف المعرفة؛ لأنّ مثل هذه الوظيفة اليوم لم تعد حكرًا على صاحبنا المثقّف في زمن الفضاء الإلكتروني المفتوح، والذي أصبحت فيه المعرفة متاحة، وفي متناول الجميع، ولم يعد المثقف ناقل المعرفة وحاملها الوحيد، وإنما المثقف، اليوم، هو موقف نقدي من كل ما يمسّ الإنسان والمجتمعات وحقوقها وكرامتها وحرياتها. وإذا كانت هذه المقاربة هي اليوم الأكثر حضورًا، أو المفترض أن تكون كذلك، وحاضرة في فهم طبيعة ووظيفة المثقّف الحقيقي، وهو الموقف النقدي، فإننا نكون بذلك قد فصلنا بين الجزء الآلي الأدائي، وبين ما يفترض أن تشكّله المعرفة في شخصية المثقف من بُعد روحيّ وأخلاقيّ ورساليّ يتجاوز فكرة العقل الحاسوبي الوظيفي الذي أصبحت تؤدّيه اليوم التقنية باقتدار، ولم يعد حكرًا على العقل البشري فحسب. ففي الزمن الرقْمي لم يعد لفكرة المثقف التقليدي أي معنى؛ لأنه لا يمكنه أن يتماشى أو يداني أو ينافس برامج الذكاء الاصطناعي اليوم بأنواعها، وما باتت تقدّمه من خدمة معلوماتية سريعة وبجودة عالية، وكأنها صادرة عن عقل بشري مجرد، مع فارق الدقة والسرعة في تقديم هذه المعلومة، حيث أصبح اليوم الذكاء الاصطناعي يهيمن على سوق المعلومة وبطريقة مدهشة، ما يجعل اليوم فكرة الذكاء الاصطناعي تحتلّ تدريجيًا، ويومًا بعد آخر، مجالات العقل البشريّ الذي ابتكر فكرة الذكاء الاصطناعيّ ذاتها. لذلك، فاليوم، الحديث عن فكرة المثقّف، وخاصة نمط المثقف الوظيفي تحديدًا، فإنه على وشْك فقدان وظيفته، وهي تلك الوظيفة التي يقوم بها مقابل ما لديه من معارف وعلوم تطبيقيّة أو حتّى إنسانيّة، وهي وظيفة ما يُسمّى بالتكنوقراط، وهو الشخص الذي يسخّر ما لديه من معارف وقدرات لأداء وظيفة معينة يتمكن من خلالها من القيام بما يُراد منه القيام به، لما لديه من المعارف والمعلومات والمهارات والخبرات أيضًا . فهذا النوع من المثقّفين اليوم باتوا أكثر عرضة للاستغناء عن وظائفهم وأدوارهم في هذه الحياة، في ظلّ ثورة الذكاء الاصطناعيّ التي باتت اليوم تقتحم كلّ المجالات، وتتدخل في كل التخصصات، وهي بالمناسبة ثورة ربما سيكون لها وجه إيجابي كبير، حيث ستعيد الاعتبار كثيرًا لمفهوم المثقف العضوي الغرامشي، ذلك المثقف الذي يعني الموقف النقدي والرساليّ وضمير أمّته، بحسب التعريف البيغوفيتشي (نسبة للمفكّر البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش)، وهو ما يفترض أن يقوم به المثقف في مجتمعه وأمّته، جامعًا بين المعرفة والقيم. أمّا المثقف الوظيفي، فأعتقد أنه سيقع في مأزِق توافر البديل الأكثر سرعة ودقة، ومما لا شكّ فيه أنه سيسلب المثقف الوظيفي أهم خصائصه، وهو توفير المعلومة، ودقتها وسرعة جلبها، على عكس روتينية المثقف الوظيفي، التي تتسم بالبطء الشديد والرتابة أيضًا. ولهذا، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي اليوم سيشكل تهديدًا كبيرًا لقطاع عريض من الوظائف، وخاصة تلك التي تعتمد على ما يمكن تسميتُه بالمثقف الوظيفي، كالإداريين والأطباء والمهندسين والصحفيين والمترجمين والمحرّرين والمراجعين، وغيرهم الكثير. بالعودة إلى موضوع الذكاء الاصطناعي والمثقف الوظيفي، فلا شك أنّ المثقف الوظيفي سيفقد دوره تدريجيًا لصالح الذكاء الاصطناعي، وهو ما سينعكس مرحليًا لصالح إعادة الاعتبار لمفهوم ودور المثقف الحقيقي، الذي يفترض أنه سيستفيد من هذا التحوّل لصالح دوره ومكانته كناقد يجمع بين ميزتَين؛ وهما الثقافة التقنية والموقف النقدي معًا، وهو ما لا يتوفر لدى الطرفين: الذكاء الاصطناعي، والمثقف الوظيفي. ثمة الكثير والكثير من الفوارق والمفارقات، التي يجب أن تسجل في مقام الحديث عن العلاقة الجدلية الناشئة بين الذكاء الاصطناعي والمثقف، بمعنى أنّ الذكاء الاصطناعي أداة عبقرية، لكنه بلا جسد، بلا ذاكرة حقيقية، وبلا رغبة في الحرية، بعكس المثقف الذي يظلّ ذلك الكائن الهشّ الذي يطرح الأسئلة المحرجة، يعانق التناقضات، ويصرّ على أن الحياة أكثر من مجرد معادلة خوارزميّة رياضية حاسوبية، ليظل المثقف حاضرًا كضمير وقيمة أخلاقية يتجلّى فيها سرّ الإنسان. فالذكاء الاصطناعي قد يعرف عنّا كل شيء، لكنه لا يعرف لماذا نضحك أو نبكي أو نحزن أو نُسرّ أو نُساء؛ أي أن الذكاء دون ضمير هو العبث بعينه، وهذا ربما ما قد يندرج ضمن ما كان يحذّر منه ألبير كامو في رفضه فكرة التكنولوجيا التي تسحق الإنسان. في نفس هذا السياق، ربما تأتي فكرة يورغان هابرماس في تحذيره من أن الذكاء الاصطناعي، أو ما يسميها بخوارزميات المنصات التي تشكل خطرًا على الديمقراطية، وعلى الفعل التواصلي البشري؛ لأن الذكاء الاصطناعي يفتقر لما يسمّيه هابرماس بالعقلانية التواصلية، أي عدم فهم السياق الأخلاقي من قبل الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزّز كفاءة الأنظمة، لكنه لا يستطيع أن يحلّ محلّ الفعل التواصلي بين البشر، وهذا برأي هابرماس يشكل خطرًا على البشرية بأن تصبح القرارات المصيرية حكرًا على خوارزميات لا تخضع للمساءلة. لهذا كله يرى هابرماس أنّ المثقف ليس خَصمًا للذكاء الاصطناعي، لكنه حارسٌ ضد اختزال العالم الإنساني إلى معادلات تقنية، وإذا تخلّى المثقفون عن هذا الدور، فسيصبح المستقبل مُدارًا بـ"عقلانية صماء" تفتقر إلى المعنى والأخلاق. وهنا تكمن أهمية وضع حدود واضحة بين العقل البشري والعقل الحاسوبي الخوارزمي لذكاء الآلة الصماء، أو ما بات يسمّى بالذكاء الاصطناعي. وهو ربما الاختبار الصعب الذي سقط فيه حتى هابرماس نفسه فيما يتعلق بموقفه من أحداث غزة منذ بدايتها وصمته الطويل عمّا يجري هناك. وختامًا؛ فإن أخطر ما يمكن أن يشكله الذكاء الاصطناعي على المثقف، هو أنه قد يقوده إلى حالة من الضمور النقدي، ويخلق حالة من الكسل الذهني. وهو ما يطرح فكرة أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والمثقف يجب ألا تقوم على فكرة الاستبدال؛ لأن مجال الذكاء الاصطناعي سيبقى في حدود حفظ المعلومة لا فهمها، وطرح الأسئلة الصعبة حولها، كما يفعل المثقف. وبالتالي يمكن أن تكون ثمة علاقة تحالف بينهما، لأنه لا يمكن للعقل الاصطناعي أن يحلّ محلّ البصيرة الإنسانية المتجلّية بالموقف الأخلاقي والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة والمعقّدة، وامتلاك القدرة على قول "لا"، فضلًا عن رفض فكرة تشيئة الإنسان واختزاله كمجرد رقْم في معادلة خوارزميّة رياضيّة.


عكاظ
منذ 14 ساعات
- سياسة
- عكاظ
«ميون» تدرب لجان الحماية المجتمعية في عدن
جانب من الدورة الدورة التدريبية جانب من الدورة التدريبية بهدف تعزيز قدرة المشاركة في اللجان المجتمعية، نظّمت منظمة ميون لحقوق الإنسان اليمنية اليوم (الثلاثاء)، ورشة تدريبية استهدفت 15 عضواً من لجان الحماية المجتمعية في مدينة عدن، وفي الورشة التي حملت عنوان «وصول المساعدات الإنسانية في إطار القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان» ناقش المشاركون آلية حماية المدنيين وتقديم المساعدات لهم. وتهدف الورشة التي نظمتها ميون بالشراكة مع مركز مدنيين في ظل الصراع (CIVIC)، إلى تعزيز قدرات المشاركين من اللجان المجتمعية على فهم الإطار القانوني الدولي المتعلق بوصول وتوزيع المساعدات الإنسانية، وتسليط الضوء على المبادئ الأساسية للعمل الانساني، بما في ذلك الإنسانية، والاستقلال، والحياد، وعدم التحيز. وشملت الورشة عدداً من المحاور المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، وآليات حماية المدنيين، والدور المجتمعي في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى استعراض التحديات التي تواجه العاملين في المجال الإنساني في اليمن. وشدد المشاركون على أهمية الورشة، وتمكين لجان الحماية المجتمعية من أداء دورها في الرقابة والمناصرة لضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر ضعفاً، وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة والعدالة الإنسانية في ظل تراجع التمويل الإنساني. تأتي هذه الورشة في إطار جهود منظمة ميون ومركز CIVIC لتعزيز الوعي الحقوقي والمجتمعي، ودعم حماية المدنيين في سياقات النزاع المسلح في اليمن. أخبار ذات صلة


الجزيرة
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
ميديا بارت: أصول الشر المسمى إسلاموفوبيا
قدمت ردود الفعل السياسية والإعلامية على اغتيال أبو بكر سيسيه مثالا واضحا على حالة الإنكار التي تعيشها فرنسا، ومن ثم فلا بد -عند تقاطع الإرث الاستعماري وفشل الليبرالية الجديدة- من محاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا بوصفها إحدى صور رفض المساواة. بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت مقالا مطولا -بقلم كارين فوتو- قالت فيه إن الإسلاموفوبيا لم تظهر في فرنسا مع طعن أبو بكر سيسيه صباح الجمعة 25 أبريل/نيسان الماضي، في مسجد لاغران كومب بمنطقة غارد، بل إن فرنسا تعيش تجربة مروعة من عواقب نفوذها، ليس في الفضاء السياسي والإعلامي فحسب، بل في أعلى مستويات الدولة. وقد أظهرت تعليقات المهاجم الصريحة المسيئة للمسلمين أمام الكاميرا جمود السلطة التنفيذية وخواء شعارات الجمهورية والعالمية التي تنادي بها، إذ لم تقم الحكومة حتى بالحد الأدنى أمام مأساة تستهدف شعبا جعلت منه هدفا سياسيا، وإن كان تم فتح تحقيق قضائي بتهمة "القتل العمد على أساس العرق أو الدين". ونبه الموقع إلى أن رد الفعل المتأخر من وزير الداخلية المسؤول عن الشؤون الدينية برونو ريتايو، واختياره الذهاب إلى مقاطعة أليس بدلا من المسجد، وعدم قدرته على ذكر اسم الشاب المالي، وعدم رغبته في مقابلة الأسرة، لا يمكن اعتبارها إلا علامة على عدم الاحترام والازدراء للمسلمين الذين يعيشون في فرنسا. وذكّرت الكاتبة بأن المسلمين يمثلون 10% من سكان المناطق الحضرية، وأنهم ضحايا للتحيز بعد الغجر، ولكن قبل الصينيين واليهود والسود، حسب اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان، رغم أن دينهم يحتل المرتبة الأولى في البلاد، قبل الكاثوليكية واليهودية والبروتستانتية. مصطلح لا يزال محل نزاع وبالإضافة إلى إخفاقات ريتايو في أعقاب اغتيال أبو بكر سيسيه، كانت هناك سلسلة من الاختلالات السياسية والمؤسسية -حسب الموقع- مثل تأخر محافظ غارد 4 أيام عن مكان الحادث، وغياب ممثلي السلطات العامة عن المسيرة الصامتة، والخلافات حول الوقوف دقيقة صمت في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. غير أن جذور الإسلاموفوبيا وجدت تعبيرها الأكثر إثارة للقلق خارج هذه المؤسسات، حيث كان الجدل داخل الفضاء السياسي والإعلامي حول استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا"، علما أنه مصطلح مقبول منذ عقدين من الزمن بإجماع العلماء والمنظمات الدولية. ومن ثم، فإن رفض تسمية واقع اجتماعي ما -حسب الكاتبة- هو طريقة لإخفائه اجتماعيا وسياسيا، أو حتى إنكار وجوده، وهو يعني -على أقل تقدير- عدم الاعتراف بحجمه أو تأثيره، بحيث إن النقاش العام يمنع من التوصل إلى تشخيص يتناسب مع المشكلة وتوفير الردود السياسية المناسبة. يقول المفكر رضا ضياء إبراهيمي -في مقال بعنوان "الأصول الفرنسية لإنكار الإسلاموفوبيا"- إنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا الإنكار فرنسيا، لأنه ينبع من تاريخنا الاستعماري، إذ تعمل السلطات برفضها قبول الماضي على منع أي تعويض، وبذلك تنتهك الحاضر وتقسم المجتمع وتدمره. ويشير مصطلح الإسلاموفوبيا الذي يعني حرفيا "الخوف من الإسلام" إلى الطريقة التي يتم بها استخدام العداء لهذا الدين للتغطية على رفض المسلمين، يقول عالم الاجتماع عبد المالك الصياد "إن الإسلام له دور مماثل لدور لون البشرة، فهو كالمشجب الذي نعلق عليه كل تحيز وكل وصمة وكل عنصرية". وبما أن انتقاد الأديان يقع ضمن حرية التعبير، فقد تم النظر إلى الإسلاموفوبيا باعتبارها طريقة "محترمة" لوصم الأقلية، رغم أنها -مثل معاداة السامية وجميع أشكال العنصرية الأخرى- جريمة وليست رأيا. نشوء مشكلة المسلمين وذكّرت الكاتبة بأن اغتيال أبو بكر سيسيه كان تتويجا لعملية طويلة من بناء "مشكلة إسلامية" ذات تأثير في تشكيل نظرة المجتمع الفرنسي لمواطنيه المسلمين، يقول نوربرت إلياس إن "الاستياء ينشأ عندما تكون مجموعة هامشية أدنى اجتماعيا ومحتقرة على وشك المطالبة بالمساواة القانونية والاجتماعية". وعليه، يكون هناك تسامح مع المجموعات الهامشية المكروهة ما دامت لا تسعى إلى الهروب من الدونية الاجتماعية التي وضعت فيها، ومنذ ثمانينيات القرن الـ20، عندما ظهرت أعراضه الأولى، ارتبط رفض المسلمين ارتباطا وثيقا بآثار الليبرالية الجديدة ومسألة ما بعد الاستعمار، أي المسألة الاجتماعية والمسألة العنصرية. وعندما أضرب العمال المهاجرون في شركة سيتروين وفي شركة تالبوت عام 1982، بدعم من النقابات، سرعان ما وجدوا أن أفعالهم أصبحت غير شرعية، على أساس أن مطالبهم الاجتماعية التقليدية تضاف إلى مطلب مكان للصلاة، كما حدث عام 1976 في رينو. وعام 1989، أُطلقت المرحلة الثانية من الصاروخ المعادي للإسلام مع "قضية الحجاب" الأولى في مجلة كريل، وذلك في سياق فتوى المرشد الإيراني الأعلى وقتها آية الله الخميني ضد سلمان رشدي بعد نشر كتابه "آيات شيطانية". وفي وقت قضية الحجاب، كان لا بد من إجبار المسلمين على دفع ثمن هذا التدخل في المجال العام، ويترجم عالم الاجتماع بيير بورديو ما يجب فهمه بشأن ما كان يحدث في كريل، قائلا إن "السؤال إذا ما كان يجب علينا أن نقبل ارتداء ما يسمى بالحجاب الإسلامي في المدرسة أم لا يحجب السؤال الكامن، وهو هل يجب علينا أن نقبل المهاجرين من أصل شمال أفريقي في فرنسا أم لا؟". وكما يتبين من الحلقات المؤسسة لإضرابات العمال ثم إضرابات كريل، فإن بناء "مشكلة إسلامية" ليس مسؤولية اليمين المتطرف الفرنسي وحده، رغم تنظيره منذ ستينيات القرن الـ20 لوجود اختلاف عربي وإسلامي على أساس فكرة أن الإسلام غير متوافق مع "تقاليدنا الفرنسية". وقود اليمين المتطرف ورأت الكاتبة أن التمثيلات السلبية للإسلام المنتشرة الآن على نطاق واسع في المجتمع الفرنسي تم نقلها في المقام الأول من خلال الخطاب السياسي وقوانين الدولة وتأطير وسائل الإعلام، وعبر الانقسامات الحزبية، حيث عملت التصريحات الصادمة والعناوين الرئيسية التي تحمل وصمة العار بشكل أكثر فعالية على تهميش المسلمين. ومن المناقشة حول الهوية الوطنية التي أطلقها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى قانون الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بشأن الانفصال، فرضت السلطات العامة المسلمين بوصفهم شخصية الأقلية بامتياز، ومن دون تسميتهم على وجه التحديد، انتهى بهم الأمر إلى صورة لمجموعة تم تشكيلها باعتبارها "عدوا داخليا"، و"متطرفة محتملة"، وهم بالتالي فئة من الأشخاص غير المرغوب فيهم، ومن المبرر أن نسعى للتخلص منهم حفاظا على تماسك الأمة. وهذا العنف في وصف المسلمين بأنهم غير فرنسيين لا يمكن -حسب الكاتبة- إلا أن يذكرنا بالوحشية التي أجبرت بها الإدارة الاستعمارية النساء الجزائريات على خلع حجابهن من أجل تصويرهن أو إجبارهن على إظهار ارتباطهن بفرنسا. وبالإضافة إلى عجز السلطات عن هضم الاستقلال، فإن الفشل الواضح لليبرالية الجديدة، دفع الأحزاب الحاكمة إلى الاستيلاء على الموضوعات المفضلة لدى اليمين المتطرف، لقناعتهم بأنهم لن يتمكنوا من البقاء في السلطة إلا من خلال إغراء ناخبي الجبهة الوطنية. وخلصت كارين فوتو إلى أن هواجس اليمين المتطرف تتسلل إلى المجتمع بشكل عميق بسبب وسائل الإعلام والنخب السياسية، ويتطلب عكس هذا المسار الاتفاق على تسمية الإسلاموفوبيا، ثم مواجهة التاريخ الاستعماري، وإعادة تأسيس "جمهورية غير قابلة للتجزئة، علمانية وديمقراطية واجتماعية" تستحق هذا الاسم لأنها تضمن "المساواة أمام القانون لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الدين".


عكاظ
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- عكاظ
نهاية عصر التحالفات الرمزيّة
لقد قدّم الغرب للعالم إرثاً فكرياً وعلمياً وحضارياً أثّر في مسيرة الإنسانية جمعاء، من تقدم تكنولوجي وثورات طبية واختراعات غيّرت وجه الحياة. لكن هذه الإسهامات الإيجابية لم تكن منفصلة عن رؤية استعمارية توسعية، حيث حوّل الغرب تفوقه الصناعي والعلمي إلى أداة لتعزيز هيمنته، مستغلاً ثروات الشعوب ومقدراتها لضمان رفاهيته على حساب الآخرين. وفي المجال السياسي، روّج الغرب لنموذج تحالفات دولية قائمة على «القيم المشتركة» كالديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الواقع كشف أن هذه الشعارات كانت في كثير من الأحيان غطاءً لمصالح جيوسياسية واقتصادية. فتحت مظلة «نشر القيم»، شهد العالم حروباً مدمرة وتدخّلات غير مشروعة، بينما تحوّلت «الصداقات الدولية» إلى علاقات تبعية تخدم الأجندات الغربية. وهكذا، تحوّلت المثالية في الخطاب السياسي الغربي إلى مجرد أداة لترويج أيديولوجي، بينما ظلّت السياسات الفعلية تقوم على حسابات القوة والمصلحة. اليوم، مع صعود قوى عالمية جديدة وتنامي الوعي بضرورة التحرر من الهيمنة الأحادية، أصبحت هذه التحالفات الرمزية أمام اختبار حقيقي: إما أن تتحول إلى شراكات عادلة تقوم على المنفعة المتبادلة، أو أن تواجه الاندثار في نظام عالمي لم يعد يؤمن بالشعارات المجردة. في السنوات الأخيرة، بدأ العالم يشهد انزياحاً واضحاً من التحالفات الرمزية القائمة على الخطابات الأيديولوجية إلى تحالفات أكثر واقعية، تقوم على المصالح المتبادلة والمنفعة الاقتصادية والأمنية. فالدول التي كانت تُعتبر حليفة تقليدية للغرب بدأت تبحث عن شراكات جديدة مع قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، ليس بسبب تقارب القيم، بل لأن هذه التحالفات تقدّم فرصاً استثمارية أو تعزّز الأمن القومي لتلك الدول. حتى داخل الغرب نفسه، لم تعد «القيم المشتركة» ضمانةً للوحدة، كما رأينا في الخلافات الأوروبية حول سياسات الهجرة أو الطاقة، أو في تباين المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها تجاه قضايا مثل الصين أو الشرق الأوسط. الخلافات التجارية وسياسة فرض الضرائب بين الولايات المتحدة وكندا تظهر أن التحالفات الرمزية لم تعد بمنأى عن النزاعات، ولم تعد تخفي تناقضاتها، والولاءات أصبحت مشروطة بالمصالح المباشرة. الموقف الأمريكي يعكس أولوية الحماية التجارية حتى على حساب الحلفاء التقليديين. أن المصالح الاقتصادية تفوق «العلاقات الاستثنائية» المزعومة. ولا يعني ذلك انهيار التحالف الأمريكي-الكندي، لكنه لم يعد قائمًا على ثقة مطلقة؛ لأن العالم يتجه نحو تحالفات مرنة حيث أصبحت الدول تتعامل ببراغماتية، فالمصالح الاقتصادية قد تطغى على الولاءات السياسية. أمريكا لم تعد الضامن الوحيد مع صعود الصين وتنامي التكتلات الإقليمية، لهذا قد تفضل دول مثل كندا تنويع تحالفاتها بدل الاعتماد الكلي على واشنطن. في إطار هذا التغيير، يبرز التحول في طريقة تعامل روسيا مع دول مثل كوريا الشمالية، التي أصبحت جزءًا من المشهد التحالفي الروسي الجديد. ما يجعل هذه العلاقة أكثر وضوحًا هو الطريقة التي تم بها الإعلان عن هذا التعاون. بدلاً من أن يكون مجرد إعلان سياسي أو مجرد خطوة دبلوماسية، أصبح هذا التعاون إعلانًا عن بداية عهد جديد في العلاقات الدولية، حيث لا تقاس الصداقات والتحالفات بناءً على «القيم» المعلنة على المنابر الدولية، بل على القدرة الحقيقية على الوقوف معًا في لحظات الخطر. تراجع النموذج الغربي للتحالفات الرمزية يشير إلى تحوّل عميق في السياسة الدولية، حيث لم تعد الأيديولوجيا كافيةً لضمان الولاء، ولم تعد الهيمنة الغربية أمراً مفروغاً منه. المستقبل سيكون للنموذج الأكثر مرونةً وقدرةً على التكيّف، حيث تتعاون الدول على أساس المنفعة المادية، لا الشعارات المجرّدة. أخبار ذات صلة